بين الجدران الكئيبة
تدورُ الأيامُ برهبٍ و العمرُ دارُ المنافيا
فأشكو السبيلَ بالمحنِ و الخسرُ داريا
أعدُ بكلِ منزلٍ بالقرابينِ فأبكيها
مدافنٌ تكسرني فُراقَها بدمعِ وداعيا
فأنسكبُ بكلَ كؤوسِ الذلِ و أجرعها
أحتمي بوجعُ الجِراحاتِ في خلائيا
أشدُ بجدارِ القبرِ كي أُشفى بهِ
أصارعُ جرحاً يغلبني بنزفِ جراحيا
و صرتُ أمضي في الخسرانِ موهناً
رحتُ أشكو بالأحزانِ بجدارِ القوافيا
و إني ما كنتُ بركبِ القافيةِ يوماً
إنما القهرُ قد ساقني بالوحي راضيا
غدوتُ بوحشتي أجرُ بكلَ مهادمي
فشدني الضياعُ لقربهِ هماً بشروديا
لم أكن أحسَبها كزائرةٍ جأتْ لتكسُرني
حروفٍ شدتْ بحبالها حولَ رقابيا
فتلاشتْ دروبُ النجاةِ مني و جارتْ
لعناتٍ تتسارعُ أمامي و تهدمُ بمساريا
لذتُ بطوقُ المنايا أتضرعُ ألماً
كالضريرِ قد تحجرَ بالعفنِ بالمراريا
بالأمسِ قد كنتُ طفلاً أقطفُ فرحاً
فكيفَ دارَ الزمانُ اليومَ أجولُ ببكائيا
ها أنا أكتبُ بمأساةُ العمرِ كلَ شغبٍ
جرحٌ يعصرُ أحشائي يمزقُ بأحشائيا
فلي هناك من الوحي حروفٌ تعاندني
لي بحورٌ تتسابقُ بسفرَ جرحي لقبوريا
لي آجلٌ قد مدني ذراعهُ منذُ زمنٍ
و أيامٍ بالوغى دامتْ تغلبُ بأوجاعيا
خمسينَ عامٍ و الأذى تناصرُ لعنتي
تئنُ بأثقالِ الهمومِ متضرجة بمهانيا
خنجرٌ قد أذاقني بطعنُ السنينِ وجعهُ
حتى حسبتُ بأني مدمنٌ على جِراحيا
أيامٍ قد مضتْ براحِها و كأنها حلماً
أيا دهراً فهل تعيدُ بأياميَ الماضيا
فهناك لي مع كلِ حجرٍ ذكرى
بكلِ شارعٍ لي خطوةٌ مضتْ جاليا
لي لمساتٍ على كل صباحاتٍ أشرقتْ
لي لحظاتٌ لا تنسى بذاكرةٍ عاصيا
تهجرتُ من الديارِ و أنا بالهمِ مقيدٌ
هربتُ بأولادي لجحيمِ غربتي الباليا
فخانتني صحبةُ الروحِ و لذتْ برحيلها
راحتْ تكسرني بفراقها و تمضي راضيا
زوجتي قد كسرتْ بكفرها صورةُ اللهِ
نجتْ بنفسها بأحضانِ التوابيتِ العاريا
مالها تغيرتْ و هي مازالت ترنو قمراً
بالروحِ بقيتْ تذبحُ وجعاً بكلِ زاويا
فأذكرُ أيامنا التي كانت تزرعنا أملاً
كتوأمينِ و لم تفصلنا الأيامَ النواسيا
ربي لا تنذرني بألفِ جرح فتكسرني
و لا تحملني لتلكَ الأوجاعِ بكلِ ثانية
فياليتها ما دارتْ تقتلني بغدرها ألماً
ليتها ما دامتْ بالجحيم ِ تحرقُ بأعماريا
رحلتْ هربتْ تكلبتْ مع ألفِ شيطانٍِ
و راحتْ ترقصُ بالحرامِ و ترجمُ بسمائيا
فأقولُ لمن حملتْ بقبريَ للبعيدِ
ردِني لذاتي كي أحيا من بعدِ فنائيا
مالكِ تفجعنني بالغدرِ و تمضينَ حجراً
مالكِ تقسي أكثرَ من الموتِ بأوجاعيا
فكيفَ ملكتِ من الطعنِ كلَ قسوتها
كيفَ نَسيتِ عِشرةُ السنينِ الحانيا
ها أنا أبكي من الخذلانِ لألفِ دهرٍ
و جرحُ ذكرايَ يركضُ من ورائيا
ها أنا وحدي أمضي لقيامتي و أبكي
أسرقُ من دنيتي صُورتها القاسيا
قد كانتْ معي روحاً و كنتُ أتنفسها
فأين تلك التي كانت تحييني بأنفاسيا
أين صدقَ لِقائِنا الأول حينما تواعدنا
كذبٌ كانَ لِقائنا و صدقٌ بضياعيا
قد أوهمتني بالعشقِ ثم تلاشتْ
بروحيَ التي ماتتْ بذكرياتُ سنينيا
فأطحتُ بدمعتي ما كان يؤرخني
كانها اللعناتُ بمرِ الآسى كانت داعيا
فرحتُ أشقُ بقفرتي أقاسمُ كلَ بكاءٍ
بدموعٍ قد تبارحتْ من ورائي تُعانِيا
جلستُ بتلكَ الحروفِ أجمعُ ما تاهني
حتى ظنَ البعضُ بأني نجوتُ بِحروفِيا
فتوراتْ من دروبي نورٌ تهتُ ورائهُ
كالكفيفِ للبعيد رحتُ أبحثُ عن دروبيا
فلم أدري من شلني بتلكَ الخساراتِ
و رمى ببقاياي في بئرِ ظلاميا
من باعني حطبً بمواسمِ الشتاءِ
من راحَ كالأصمِ لا يسمعُ صُراخيا
فإنَ كلُ أشيائي تركتها تلملمُ وجعاً
ذكرياتي و آيةُ الخلودِ بالدموعِ الجاريا
بيتنا القديمْ بأرضُ الكِناياتِ فارقتها
حتى أهدمني نارُ الألمِ و زادَ بإحتراقيا
فبكيتُ حتى ملَ البكاءُ مني ظُلمَاً
فأين صحبتي و أهلي و زمنُ رفاقيا
بغربتي ما كنتُ يوماً لأُُبارِكها كقدرٍ
لكنْ شاءتْ الأقدارُ أن تدنيني بعِقابيا
قلتُ بعضُ الأيامِ و سنعودُ لحياتنا
كَذِبٌ قد كانَ يصونُ بنباحُ كلاميا
مضيتُ و نارُ الحسرةِ تجرُني ألماً
حتى تغمدَ البصرُ و صار العتمُ نهاريا
فأوهمتُ نفسي بأني راجعٌ لذاتي
غداً سترجعُ الليالي تضيءُ بنجوميا
قلتُ هي فترةٌ و ستمضي بحالها
غداً ستشرقُ السماءُ علينا صافيا
فعجبتُ لسعي الدهرِ كيف قد هدني
كيفَ بقي ليشهدَ على ذلَ هوانيا
هجرتها و كلُ الذكرياتِ تئنُ بها عصفاً
أيامُ برائتي و أوقاتُ الطفولةِ الباديا
ضحكتي و حارتي و جمعةُ أقربائي
و شغبي بالمدرسةِ بظلِ جدارنها العاليا
إبتليتُ و ما دارَ لقربَ جفني منامٌ
حجرٌ بجفني يسدُ دربُ المنامِ بأحزانيا
هي الليالي ببؤسُ الحكاياتِ طويلةٌ
وحوشٍ تنزفني بطعنها و تأكلُ لحميا
كحالِ الزمانِ البغيضِ بهلاكُ العمرِ
فكلما جئتُ أنهضُ هدني بأسواريا
حتى نهمتٌ بالوِصَالِ أسقطُ في عجلٍ
مذلولْ وحيد رحتُ أعاشرُ مرَ زمانيا
فيا أيها الظلامُ لما تكسرني بألفٍ
و القنا حمرٌ الدلائلُ بنكرانها الواهيا
فمن يصونُ حدودَ منفاي غير وجعي
من يحملُ نعشاً بلا دفنٍ في صحاريا
نواقصٍ قد رستْ ببابي تستبيحُ لياليا
فتسقطُ بنجومي و تضربُ بجداريا
تلك اللعناتُ فمالها تبارحني نهماً
لا رَحمٌ في دروبي و لا راحٌ بموتيا
فمالهُ هذا العمرُ يبكي بكلِ حينٍ
و كلُ السنينُ تغلبني كرباً بمرها نائيا
فمالي بالعمرِ في النكساتِ أبقيهِ
مالي أبقى بالأخزانِ أحرقُ ببقائيا
فكم من مرٍ ستغدو بحالي بركبها
و كم بذلِ الدهرِ ستسقطُ مَقامِيا
قد تباعدنا و الروحُ تشكو من فراقٍ
بقيتْ تبحثُ عن أثرِ أرواحٍ غاليا
قفرٌ هو كوكبي و عالمي أضرحةٌ
سودٌ هي أيامي دارتْ تزيدُ بسواديا
و قد نلتُ بنابُ الزمانِ ألفُ هلاكٍ
و الوجعُ راحَ يقلدُ ذاتهُ بكلِ مكانيا
فلي ركنٌ بكلِ جحيمٍ في أزلٍ
فمالي أسترجعُ بالوجعِ صورَ بلائيا
أدنو بروحي بقسوةِ الإنكسارِ بالدمعِ
طائرٌ مذبوح بلعنتي مُقيدٌ بوثاقيا
فلا السماءُ فتحت أبوابها لأنجو
و لا البشرُ كانوا بشراً لأحيا معافيا
هيهاتٌ لتلكَ الأوجاعِ متى أفارقها
سجينٌ أنا بأسري مكسورٌ بجناحيا
فلا الصبحُ قد أشرقَ من بعدَ الوداعِ
و لا الليلُ فارقني و حررَ صباحيا
يا دارُ لا تغلقِ علينا أبوَابكِ كلَها
فقد تعودُ تلكَ الأرواحُ إليكِ راجيا
أهي الغربةُ من تشقى بألمِ الدموعِ
أم بحقدِ الأقدارِ تكهلتُ فضاعَ شبابيا
كالجروٍ الجريح تتقافذني كلُ العناوينِ
و الريحُ تباعدني كغميةٍ بغيثُ سقوطيا
فوللهِ إني قد شهدتُ على جنازتي دهراً
و رحتُ ببابِ اللهِ أبكي بقلبٍ خاشيا
فعلى جدرانَ غربتي كتبتُ يا الله
فعليْ أُريحُ قلبي من الهمِ بدعائيا
سألتُ من هدني بالموتِ و نهى ..؟
فردَ أناياي من عجبٍ جرحُ أنانيا
و النفسُ تهوي ببؤسها كلما نئتْ حجراً
بشرودها موتٌ راحتْ تعنُ بالبراريا
فلا دارٌ لي هاهنا لألملمَ بشتاتي
و لا دروبُ سفري كانت من الأمانيا
لا جدارٌ لي ليسندَ ظهري فأسعى
بخطوتي خسرٌ و خسرٌ بكلِ مساعيا
فحيناً تراني أركض حافياً بالخيباتِ
و حيناً تراني لهيبٌ أشتعلُ بنارُ قهريا
أناجي بصلاةُ الحزنِ بألفِ كسرةٍ
و أعوي في السرابِ تعبٌ بشكاويا
كأنها تشاطرني بهزيمتي كلُ أزمنتي
تشدني أرقاً بألفِ جدارٍ و ترنو بعزائيا
فجئتُ من كسرتي لأعاتبَ قدري
و من سافروا بتلك الروحِ دونَ وداعيا
قد كانوا بالأمسِ ضيوفَ بيوتنا
و اليومُ تناثروا غباراً بدموعنا الساريا
إلى أين صاروا و كلُ الدروبِ قاحلةٌ
بموتها تنازعُ روحي بفراقِهم و فؤاديا
عذابٌ قد أطاحَ بقلبي ذبحهُ و دنا
و قوافلُ السنينِ تمضي بالمآتمِ جاريا
فأدنو متقلباً بطعنِ السيوفِ بجراحي
ثقبٌ جسدي كلهُ من شرِ الدنانيا
تغتالني و ذبحها تقسُ بكلِ فجورٍ
و كأنها بأرضُ الذبحِ لا تَرى سوائيا
فلو كانَ بيني و بين الحياةِ وصلٌ
ما دارتْ المآسي بالعمر بمرها راسيا
فإنَ يدُ الزمانِ طويلٌ كلما تمردَ
كفرٌ يناطحني بلوعتهِ و كفرٌ عِدائيا
بالأمسِ كانت ليَ بعضٍ منَ الأيامٍ
و اليومُ أشحدُ منها بعضٌ من بقائيا
ها أنا ضريحٌ ألملمُ بغربتي بأكفاني
أسلو مدمناً بأوجاعي و أسقطُ بفنائيا
فحيناً يكسرني الضجرُ جرحاً و حيناً
أحترقُ بصورِ الذكرياتِ بإنحساريا
بكؤوسِ السقمِ تضرعتُ من الحنظلِ
حتى هدني مذاقهُ مراً و دامَ بمذاقيا
فإن كانتْ في الحياةِ كفرٌ فهي علتي
هي القراببنُ تغدو بالبلاءِ كالعنةٍ راويا
و قد شربتُ من داءُ البللِِ كلَ رسُبٍ
و كم بداءُ العللِ كانَ الزمانُ محاكيا
حتى نهمتُ من مقلِ الزمانَ كارثتي
فأدمنتُ باليقينِ بأنَ سمائي هي الجانيا
فيا أيها العمرُ فلا تخشع من ثراكَ
فإن الأيامُ من قبلكَ قد ماتتْ ناجيا
فمالكَ تهربُ مني بتلكَ الروحْ مثقلٌ
مالكَ تغرقُ بحزنِ الأوجاعِ بالسواقيا
و هذا الكربُ بلا زمنٍ مالهُ يكسرني
كالجحيمِ راح يحرقُ بدروبَ أيامِيا
و كلما إقتربتُ من الحياةُ تباعدتْ
راحت تقسُ عليَ بالطعنِ بمرِ بلائيا
فتمضي بالموحشاتِ و كأنها حجرٌ
و يا للموحشاتِ كم دارتْ بمرها بانيا
عتمتي لا تفارقني فمازالت تأسرني
لا فجرٌ يطلُ و لا نورٌ يشرقُ بسمائيا
فهل أحملُ نعشي ليوم الردى في عدمٍ
أم أمضي للثرى كقدرٍ أحصدُ بجزائيا
فمالي ألومّ بالحظِ و الأقدارُ حاقدةٌ
لا شفاعةٌ بعلتي و لا نجاةٌ بطولِ بكائيا
قسمتي أن أكونَ بمدافني كالغريبِ
ألهو بجراحاتٍ و هي بالقلبِ باقيا
فلا عدلٌ إني أبصرهُ في غدُ السنينِ
و لا السماءُ دراتْ بجراحي مُداويا
يقولون لي لا تمتْ و همْ يدفنونني
فكيفَ و الروحُ بكل الدروبِ فانيا
فلو كنت بقليلٍ من العمرِ أحظى بهِ
لعدتُ لذاتي أرشفُ بنسياني زواليا
بين الجدران الكئيبة ....... لابن حنيفة
العفريني
مصطفى محمد كبار
تعليقات
إرسال تعليق