"تراتيل الظل"
في ديرٍ ناءٍ، حيث يُغسَل الصمت بماء التراتيل، كانت الراهبة "رُبى" تمشي حافية بين البنفسج كمن يفتش عن ظله في رحاب الله..
عيناها موصَدتان، لكن قلبها... كان يسمع ارتعاش الضوء.
راهبة وهبت قلبها للصمت، لا لأن العالم مخيف، بل لأن الصدى فيه أكثر وجعا من الصوت.
دخل الرسام "نور" -الذي نسي الألوان ذات حياة- الدير، كان يبحث عن ترميم لوحة "العشاء الأخير"، لكنه وهو يخطو بين جدران التراتيل،بدأ يرمِّم شيئا لم يُكسر فيه بعد.
رأى وجهها مرة واحدة، بين انحناءة صلاة وسكون شمعة، فكأنه وقع على سِفرٍ ضائع من أناجيل العشق.
لم يتحدثا.
لكنها كانت تعلم أنه يرسمها — لا كما يراها، بل كما يتخيلها صلاةً تُحلِّق.
وكان يعلم أنها تسمعه — لا بأذنها، بل بخوف القلب حين يخفق دون موعد.
ذات مساء، ترك عند الباب وردة بنفسجية، وملاحظة صغيرة كُتب عليها:
"إن بعض الظلال تضيء أكثر من النور."
أخذتها بين أصابعها المرتجفة، وسجدت بها عند تمثال العذراء.
همست:
"يا من ترى القلب، لا تُعذِّبني بالمرآة."
في اليوم التالي، غادر الرسام.
لم يُكمل اللوحة.
ترك كل شيء إلا ظله.. و رحل.
و على الجدار نقشتْ يده وجها غير مكتمل لامرأة تصلي.
ومنذ ذلك الحين، بقيت "رُبى" تسقي البنفسج بِصمتٍ أشد.
لكن زهرة واحدة، دائما كانت تميل جهة الذكرى.
لا أحد يجرؤ على لمسها.
كانت تنحني دوما نحو الظل...
كأنها تحنُّ إلى ضوءٍ لم يمسَّها..
أو ربما لأنها لا تنمو من التراب، بل من شيء لم يُغفَر بعد...
زينب ندجار
المغرب
تعليقات
إرسال تعليق